الجمعة، 11 مايو 2012

سلوك بعض نوّاب المجلس التأسيسي: قدر شعبنا المعاناة بسبب نخبه!

في عهد ديكتاتورية بن علي، كنت وأصدقائي نتندّر على مجلس نوابه بتسميته "مجلس الدوّاب". جاءت انتفاضة الكرامة والحرية فكنست كل هؤلاء وطردتهم خارج اسطبل السلطة النوفمبرية المقيتة، فأملت ربما حلما أو سذاجة، أنه إن دارت انتخابات 23 أكتوبر في إطار ديمقراطي قد يصل إلى ذلك المجلس من هو فعلا أهل لتمثيل الشعب وله حدّ أدنى من الشرف والنزاهة ليدافع عن البرنامج الذي منحه ناخبوه لأجله ثقتهم. كانت أولى جلسات المجلس جيّدة جدا حيث عمل الجميع حتى ساعات متأخّرة من الليل من أجل بناء الأساس القانوني للسلطة المؤقتة الجديدة، ورأينا صورا أشعرتنا بالفخر في الأيام الأولى، كقيادة المجلس من طرف إمرأة لأول مرّة في دولة عربية وإسلامية، وكذلك اللحظات التاريخية التي حفّت بانطلاق أشغال المجلس وانتخاب رئيسه ورئيس الجمهورية. لكن سريعا ما استفقنا من ذلك الحلم! حيث ظهرت تصرّفات مخجلة لعديد النواب كالتهريج والضوضاء فضلا عن التنابز بالألقاب والمشاحنات الصبيانية بينهم. لكن الأخطر هو التصرّفات التي تهدّد مستقبل البلد وتؤثّر على نتائج عمل المجلس الأكثر شرعية من بين مؤسّسات السلطة الحالية. ومن بين هذه الظواهر نذكر:

1- تراجع المجلس عن سياسة الحوكمة المفتوحة: فبعد أن تمّ تضمين النظام الداخلي للمجلس التأسيسي فصولا تضمن نفاذ المواطنين إلى التقارير الداخلية ونتائج أعمال اللجان الدستورية والخاصة، تم التعتيم على كل الوثائق ولم يتمّ نشرها على موقع المجلس أو توفيرها لمن طلبها من الصحفيّين ونشطاء المجتمع المدني والمواطنين. وهذا إن يدل على شيء فهو يدلّ على مدى احترام نواب المجلس لقواعد الشفافية والديمقراطية التشاركية (لمزيد الإطلاع على تفاصيل الموضوع، انظر هنا).

2- الغياب والمفرط والمتكرّر للنواب: لوحظ منذ أسابيع الغياب المفرط والمتكرّر للنواب. حيث نادرا ما يتجاوز عدد الحاضرين ال120 نائبا من جملة 217 انتخبهم الشعب. بل اضطرّ رئيس المجلس يوم 3 ماي 2012 لرفع الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني (109 من 217)! ومهما كانت المبرّرات يعتبر هذا الأمر استهانة شديدة بالمهام الموكلة للمجلس وأهمها صياغة الدستور ومراقبة عمل الحكومة، ونعتبر أنه شتيمة واضحة لكل التونسيين الذين وقفوا ساعات تحت الشمس منتظمين في طوابير طويلة لانتخاب هؤلاء النوّاب.

3- المطالب المادية المشطّة للنواب والإسراف في الإنفاق على متطّلبات المجلس: تردّدت تقارير إخبارية تقول بأنّ بعض النواب في المجلس قد تقدّموا إلى رئاسة المجلس بمشروع قانون يسمح بالرفع في المنحة المالية التي يتمّ إسنادها شهريا لكل نائب (تقدّر ب2500 دينار). ففي الوقت الذي يوجد في البلاد ما يزيد عن 750 ألف عاطل عن العمل ويعيش 24.7% من المواطنين تحت خط الفقر، يجد هؤلاء الجرأة على طلب زيادة في مخصّصاتهم المالية! هذا إضافة إلى إسكان النواب في فنادق سياحية من درجات عالية والإنفاق السخيّ على تنقّلاتهم داخل البلاد (وبعضهم خارج البلاد) ممّا كبّد دافعي الضرائب نفقات مشطّة تقدر بملايين الدنانير في شهور قليلة. 

4- التزوير والغش في التصويت داخل المجلس: الحقيقة أن هذا الأمر فضيحة بكل المقاييس ستظل تطارد نوابنا الكرام إلى يوم يبعثون هذا فضلا عن الفضيحة التي لحقت البلد داخليا وخارجيا (نموذج) جرّاء هذا السلوك الشائن والمقيت. فأن يعمد نائب عن الأمّة إلى الغش والتزوير لتغيير نتائج التصويت فهذا لعمري ما يهتزّ له عرش الرحمان لفرط فجوره ووقاحته وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء أخلاقية كانت أو اجتماعية أو سياسية! وإنني لأشعر بعار شديد لأنّ بعض نواب المجلس الذي شاركت في انتخابه، ينتهجون مثل هذا السلوك الفاضح والفاسد. وإنّ هذا الفعل المقيت سيظلّ دوما نقطة سوداء في تاريخ تونس إن لم يفتح فيه تحقيق جدّي ومستقل وعوقب جراءه كل النوّاب المذنبين.
البداية كانت لمّا احتجّ النائب آزاد بادي (كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية) لدى رئيس المجلس في إحدى جلساته ليوم 4 ماي الفارط قائلا: "لقد رأيتهم بأمّ عيني، وبإمكاني مدّك بالأسماء. بعض النواب صوّت مرتين وآخرون صوّتوا ثلاثة مرّات...". فأضاف النائب الصحبي عتيق (كتلة حركة النهضة): "بالأمس كنا 120 نائبا واحتسبنا 170 صوتا... هل من المعقول أن يغشّ البعض وآخرين ينقلون تصويتهم عن زملائهم؟ هل نحن في مدرسة إبتدائية؟"

تدخّل النائب آزاد أبادي للاحتجاج على تزوير التصويت / المصدر: الفايسبوك
بعد ذلك، نشر فيديو على الفايسبوك سجّله ناشطون للنائب عبد المنعم كرير (كتلة الحرية والديمقراطية ومنشق عن كتلة العريضة الشعبية)، حيث يظهر الرجل بصدد التصويت مرّتين بالضغط على زر التصويت المخصص لمقعده والزرّ المخصص للمقعد الذي بجانبه. وقد قال هذا النائب في تصريح لموقع المشهد التونسي، أنّه كان بصدد التصويت ل"زميلته ربيعة النجلاوي (نائبة عن كتلة الحرية والديمقراطية) كانت قد طلبت منه التصويت عوضها بسبب عدم تواجدها بالمكان المخصص لها أثناء التصويت حيث كانت إلى جانب النائبة حنان ساسي بمقدمة القاعة". هذا وقد قال النائب أيمن الزواغي (عن كتلة العريضة الشعبية) بأنّ "ميليشيات النهضة على الفايسبوك" تروّج الأكاذيب حول زميله بخصوص موضوع تزوير التصويت.

التسجيل الذي يظهر النائب عبد المنعم كرير بصدد التصويت مرّتين / المصدر: الفايسبوك
ويظهر فيديو آخر النائب إياد الدهماني (كتلة الحرية والديمقراطية) كذلك بصدد التصويت مرّتين. وقد قام هذا الأخير بتبرير ذلك على صفحته الشخصية على الفايسبوك بأنه كان بصدد التصويت لزميلته النائبة نورة بن حسين (عن كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية) التي طلبت منه ذلك. وقد نشر أيضا بأنّ الترويج للفيديو الذي يصوّره وهو يصوّت مرتين يقف وراءه "ميليشيات حركة النهضة الذين بدأوا حملة التشويه مبكّرا (...)".

 
 الفيديو الذي يظهر النائب إياد الدهماني بصدد التصويت مرّتين / المصدر: الفايسبوك
تعليق النائب إياد الدهماني حول الفيديو السابق
 وفي هذا الصدد، يهمّ هذا الموقع تذكير النائبين المحترمين عبد المنعم كرير وإياد الدهماني (اللذان ينتميان للمعارضة) بالفصل 94 من النظام الداخلي للمجلس التأسيسي والذي يقول حرفيا:
"الفصل 94: التصويت شخصي ولا يصحّ بالنيابة أو بالمراسلة، ويكون التصويت بالتصريح بالموافقة أو الرفض أو الإحتفاظ."
وعليه فإنه يمنع عليهما قانونيا التصويت لشخص آخر سواء كان حاضرا في المجلس أو غائبا عنه، بطلب منه أو بدون طلب! من الغريب أن يلجأ العديد من نواب المعارضة إلى رفع هذا القانون الملزم في وجه رئيس المجلس ونواب الترويكا ويطالبونهم بالالتزام الحرفي به بينما لا يبذلون ما يكفي من الجهد لاحترامه وتطبيقه!

وفي جلسة 10 ماي 2012، اضطرّ رئيس المجلس الوطني التأسيسي لرفع الجلسة وإعادة التصويت بعد اكتشاف أنّ عدد الأصوات المحتسبة يناهز 163 صوتا فيما لا يتجاوز عدد الحاضرين 146 فقط!

 
تسجيل لجزء من جلسة 10 ماي عندما تمّ التنبيه لوجود عدد أصوات يتجاوز عدد النواب الحاضرين / ا لمصدر: الفايسبوك
وأخيرا، نشرت بعض الصحف الالكترونية نتائج سبر آراء يقدر أنّ 42% من التونسيين يعتبرون أن الوضع زمن ديكتاتورية بن علي أفضل من الوضع الحالي. وتعليقنا هنا أنه بوجود نخب سياسية بهذا المستوى في موقع القرار تأتي سلوكات صبيانيّة ومشينة، لا يمكننا لوم المواطن الذي يكابد ويكافح من أجل خبز يومه في هكذا تقدير. وبمعزل عن مدى صحّة أو خطأ نتائج هذه الدراسة، فإنّ مواصلة نواب المجلس التأسيسي لتجاهلهم لقضايا التونسيين، "تشليك" المجلس كسلطة شرعية تستدعي الاحترام وتشويه سمعة البلاد والعباد بهذه الطريقة السمجة والوقحة، ستكون نتائجه وخيمة جدا. لذلك ندعو من هذا المنبر المتواضع أصحاب العقل والحكمة في هذا المجلس لاتخاذ الإجراءات اللازمة والكافية لإصلاح هذه الوضعية التعيسة في أقرب الآجال!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق