الثلاثاء، 22 مايو 2012

عندما تستحيل الشرعية إلى لصوصيّة أو السرقة الحلال!

بعدما تردّدت إشاعات كثيرة في الأيام الأخيرة حول رواتب وامتيازات نواب المجلس التأسيسي التي تمّ إقرارها في الجلسة السرية التي سبق وتناولناها في مقالنا السابق "مهزلة أخرى في المجلس التأسيسي"، تأكد اليوم أن كل نائب سيتحصّل على راتب قدره 4200 دينار شهريا. فقد صرّحت السيدة هالة الحامي النائبة عن حركة النهضة ونائبة رئيس اللجنة المكلّفة بالتصرف ومراقبة الميزانية بالمجلس التأسيسي، بأنّ الإشاعات التي روّجت حول الراتب الذي يرتقي ل4800 دينار شهريا غير صحيحة وأنه تقرّر منح النواب جراية شهرية تقدّر ب4200 دينار فقط.. يا فقط!
كاريكاتير من رسم وابدو (www.webdo.tn)
وقد أضافت السيدة الحامي بأنّ راتب كل نائب يتوزّع إلى: 2700 دينار كصافي الأجر، 900 دينار بعنوان منحة سكن و 600 دينار بعنوان منحة التنقل! وقالت أيضا بأنه تقرّر منح رؤساء اللجان والكتل كل الوسائل المناسبة للعمل (حواسيب محمولة، سيارات، مكاتب، إلخ).


تكاليف جرايات ومنح النوّاب خلال سنة واحدة
بعملية حسابية بسيطة، سيدفع الشعب التونسي من قوته ما يقدّر ب10936800 دينار لخلاص رواتب ومنح السادة والسيدات النواب
ال217 خلال سنة 2012 ، هذا طبعا دون اعتبار الامتيازات العينية والمنح الإستثنائية التي يقال (والله أعلم) أنها تقدّر ب2000 دينار لكل نائب. مع العلم أنّ هؤلاء سيدوسون على قلوبنا إلى أجل غير مسمّى ويتعلق أساسا برغبة الأطراف السياسية التي يمثلونها عن تحديد أفق معقول لكتابة هذا الدستور (الذي يبدو أنّه سيكون أغلى وثيقة تكتب في تونس) وانتخابات قادمة تحدّد حسب النظام السياسي الذي سيتفقون عليه من سيتحمّل مسؤولية الحكم (وإن كنت أستطيع أن أخمّن منذ الآن من سيكون!). والأشد والأنكى أنّ السيدة الحامي قالت بأنّ المجلس قد أقرّ زيادة تناهز ال500 دينار لكل نواب المجلس معلّلة ذلك بأنّ هذه الزيادة لم تصرف منذ سنة 2009 لذلك تمّ إقرارها سنة 2012! هل تفهمون أيها القرّاء لماذا يطالب نوّاب المجلس والحكومة المنبثقة عنه الشعب التونسي بهدنة إجتماعية بينما لا يتورّعون على زيادة رواتبهم؟ وما معنى أن تقرّر الحكومة تجميد الأجور لهذه السنة بينما لا يقلقها صرف زيادات قد قرّرها أعضاء المجلس في جلسة سرية بعيدا عن الأعين؟ ما فهمته هو أنّ هؤلاء لصوص بقوّة الشرعية!
أما المطلب الأكثر صفاقة وفجورا الذي تقدّم به بعض نواب المجلس هو أن تصرف لهم منحة بعد كتابة الدستور (يعني مدى الحياة) أسوة بالمجلس التأسيسي الأول (1956 - 1959)، وذلك لأنهم ساهموا في بناء تونس (نعم هكذا!). بودّي أن أقول لهم: لقد تجاهلتم جرحى الثورة الذي فقد بعضهم أعضاءهم وقدرتهم على المشي والنظر والحركة بسبب رصاص بن علي، وتركتموهم ينزفون بلا علاج ولا دواء ولا رعاية بينما قضيّتم كل الوقت تبحثون، حكومة ومعارضة، عن طريقة للنهب الحلال من دمهم ودماء التونسيين! والآن تريدون أن تجعلوا من الدستور الذي كُلّفتم بكتابته، أصلا تجاريا تعتاشون منه مدى الحياة؟ وتتجرّأون على مقارنة أنفسكم بأعضاء المجلس الوطني التأسيسي الأول الذين طردوا الاستعمار وحقّقوا الاستقلال لتونس؟ أما كان الأولى أن تحدثوا صندوقا لعلاج الجرحى ودفع جرايات لهم مدى الحياة وهم الذين لولاهم ما كنتم تحلمون يوما بالدخول إلى مبنى المجلس والجلوس على كراسيه؟ لقد نسيتم أنّ الشهداء والجرحى هم من دفع ضريبة الدم والدموع ليغادر الدكتاتور السابق غير مأسوف عليه وذهب في ظنّكم أنكم أنتم من قام بال"ثورة"؟ لا أيها السادة والسيدات.. أنتم لستم ثوّارا بل مجموعة من الانتهازيين.. بل أسوأ من ذلك.. أنتم لصوص.. لصوص وقحون للغاية ويفتقدون لأية أخلاق!


ولذلك فإنني كمواطن محبط جداااا... أعلن أنني سحبت ثقتي نهائيا من المجلس التأسيسي وأعتبره منذ هذه اللحظة مؤسّسة غير ذي صفة، لا تمثلني ولا تعبّر عني وبالتالي لا أعترف بما يصدر عنها من دستور أو قوانين. كما أطالب السيدة مبروكة مبارك التي صوّت لقائمتها في انتخابات 23 أكتوبر بالاستقالة فورا ومغادرة عصابة باردو للسرقة الحلال. وأعلن كذلك مساندتي لكل نضالات شعبنا ضد الأوليغارشية والانتهازية والمافيات، وأدعم كل التحركات النقابية والشعبية لإسقاط هذا المجلس والحكومة المنبثقة عنه. في الديمقراطيات المستقرة هناك وسائل لسحب الثقة من البرلمانات إن خالفت وعودها للشعب لكن باعتبار عدم وجود دستور في تونس فإنّ هؤلاء مستعدون لفعل أي شيء باسم الشرعية، وباعتبار أن السيادة هي ملك الشعب وحده فأدعوه إلى ممارستها على الأرض كما مارسها ضد بن علي والتجمّع المنحل. رفعت الصحف وجفّت الأقلام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق