الاثنين، 4 يونيو 2012

ملخّص تقرير المجموعة الدولية للأزمات حول تونس

نشرت مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group) يوم 9 ماي 2012 تحليلا للوضع السياسي التونسي في المرحلة الحالية. وحرصا من مدوّنة مواطن محبط جداااا على الإستئناس برأي الخبراء المحايدين فيما يتعلّق بالوضع التونسي ومحاولة استيضاح حقيقة ما يحدث على الساحة الوطنية بعيدا عن التغطيات الإعلامية المؤدلجة وغير المهنية والتجاذبات الحزبية والإيديولوجية التي تعصف بالمواقع الالكترونية، فقد قمنا بترجمة ملخّص وتوصيات تقرير هذه المجموعة وإتاحته بالعربية لمواطنينا كمساهمة متواضعة منا في مزيد بلورة نظرة أكثر موضوعية لما يحدث داخل تونس. يمكن الإطّلاع على النص الكامل لهذا التقرير على موقع م. أ. د. هنا.

تونس: مكافحة الإفلات من العقاب واستعادة الأمن

الخلاصة:
في سياق عربي اتّسم بتحولات متسرّعة أو دموية، لا تزال تونس تمثّل إستثناءً. منذ 14 جانفي 2011، لم يسقط فقط رأس النظام القديم الذي يرمز إليه الرئيس السابق زين العابدين بن علي. بل تعرّض كامل النظام إلى الاهتزاز بصورة رئيسية في إطار إجماع واسع نسبيا. لكن التحديات التي يمكن أن تهدّد هذه المكاسب لا تزال موجودة. ومن بين تلك التحديات، اثنين منها يترابطان ارتباطا وثيقا: استعادة الأمن وإجراء معركة حقيقية ضد الإفلات من العقاب. بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية التي تدعى الترويكا وتقودها الحركة الإسلامية النهضة، يبقى الحل في حوار واسع النطاق يسمح بإصلاح قوّات الأمن دون استفزازها بشدة، تحقيق العدالة لضحايا الديكتاتورية دون السقوط في المطاردات الانتقامية، وضمان عدالة فعالة مع مراعاة حدود النظام القضائي الموجود.
علامات التقدّم حقيقية. فقد أجريت انتخابات لاختيار مجلس وطني تأسيسي في اكتوبر 2011. ومن الرموز القوية: رئيس الحكومة حمادي الجبالي، هو سجين سياسي سابق ورئيس الجمهورية منصف المرزوقي قد عاش سنوات طويلة في المنفى. تجد المعارضة السابقة نفسها الآن على مقاعد المجلس وفي أروقة الحكومة. حرية التعبير لم تعد مجرّد أضغاث أحلام، ومجتمع مدني حقيقي بصدد التشكّل. وسائل الاعلام والمجتمع، الحركات الجمعياتية والنقابية والمنظمات السياسية تشارك في العملية الديمقراطية بما في ذلك نقد توجهات الترويكا. لكن بعض العلامات المثيرة للقلق لا تزال قائمة: الحالة الأمنية لا تزال هشّة وجزء من قوات الأمن يُشتبه في ولائها للنظام القديم، النهضة تُتّهم من قبل خصومها السياسيين بالتغاضي عن بعض حالات العنف ذو الدلالات الدينية، ضحايا الماضي يطالبون بأن تأخذ العدالة مجراها وينتفضون ضدّ الإفلات من العقاب والنظام القضائي لا يزال غير قادر على التعامل مع متطلّبات هذه المرحلة. ولم تترافق حتى الآن ولادة الجمعية الوطنية التأسيسية، المنبثقة عن انتخابات لأوّل مرّة شفافة وتعدّدية، مع قدر أكبر من الاستقرار.
إذا كان من وجهة نظر أمنية، قد تحسّن الوضع في المراكز الحضرية الكبرى بعد البدايات الصعبة لما بعد الثورة فالأمر يختلف في بقية الأماكن. في المناطق الوسطى -مهد انتفاضة ديسمبر 2010 وجانفي 2011- والجنوب الغربي للبلاد، بخاصة ولاية قفصة -الحوض المنجمي ومسرح انتفاضة قُمعت بدموية سنة 2008-، لا تزال الشرطة إلى حد كبير الغائب الأكبر. فالجيش غالبا من يضطلع بمهام الأمن. وقد شوّهت صورة الانتقال [الديمقراطي] السلمي في غالبه، اضطرابات منتظمة قد تكون في وقت واحد ذات أصول اجتماعية، عشائرية، مافيوية أو مرتبطة بأشكال جديدة من التطرّف الديني.
تتطلّب عودة الأمن أن تتمتّع الشرطة ببعض الثقة من جانب السكان وليتحقّق ذلك، على وزارة الداخلية أن تقوم بعملية إصلاح داخلية. بيد أنّ تركة السنوات السوداء للدكتاتورية والقمع التي سبقت مغادرة بن علي، جعلت انعدام الثقة تجاه قوات الشرطة يبقى غالبا. ولا تزال هذه الأخيرة في موضع الإزدراء الشعبي، لا سيّما في المناطق الوسطى حيث ينظر إليها كجهاز أحيانا -إن لم يكن غالبا- عنيف. أمّا بالنسبة لوزارة الداخلية فقد شهدت بالتأكيد تغييرات داخلية عديدة منذ عام. فقد استبعد من إدارتها مسؤولين على علاقة وثيقة بالنظام السابق أو يشتبه في قيامهم بتجاوزات. لكن لا يزال ذلك غير كافيا. ويميل في بعض الأحيان رجال الشرطة الذين تتجاذبهم الانقسامات الداخلية، إلى الدفاع فقط عن مصالحهم المهنية، كما يبقى بعضهم معاديا لفكرة أن يخدموا اليوم من كانوا سجناءهم بالأمس.
تبدو الدائرة مفرغة: تغيب أحيانا قوات الأمن من الشوارع بسبب الانتقادات الشعبية وطلبات العدالة غير الناجزة، فيتفاقم وضع انعدام الأمن، وتزيد حدّة انتقاد الرأي العام للشرطة التي تجد نفسها مرتاحة في قرارها بالبقاء على الهامش. في حالات أخرى، تعكّر قوّات الأمن التي تشعر بانقطاعها عن المواطنين بسبب الرفض الشعبي، المناخ بتجاوزاتها العنيفة. يوجد في قلب هذه المعضلة مسألة العدالة الانتقالية و[مكافحة] الافلات من العقاب الشائكة. وقد دعت مختلف الحكومات الانتقالية، بما في ذلك رئيس الوزراء الحالي حمادي الجبالي، إلى سلوك نهج معتدل مع بقايا الدكتاتورية. ورغم أنه قد أجريت محاكمات ضد بعض أعضاء النظام القديم، وبدأت لجان مستقلة تحقيقاتها حول الفساد والعنف وتجاوزات الماضي فإنه قد تمّ تفادي المطاردات الانتقامية. وهذا أحد المكاسب التي لا يمكن إنكارها ونتيجة مفترضة لعملية انتقال [ديمقراطي] غلب عليها الطابع السلمي.
لكن بطء العملية يمثل أيضا عائقا. فمنذ قيام الثورة، أصبحت العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب مطلبا مهمّا بخاصة في المناطق الوسطى. أسر الذين قتلوا أو جرحوا خلال الأيام التي سبقت هروب زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية يطلبون اليوم التعويض المعنوي والمادي. ويتظاهرون من أجل أن يتمّ محاكمة أبرز مسؤولي النظام السابق ولا سيّما هؤلاء الذين ينتمون إلى الجهاز الأمني. كما أنّهم يخشون من الإفلات من العقاب، تحت غطاء قرار محتمل للمصالحة الوطنية. ويشاركهم هذه الخشية الصحفيّون ومسؤولو النقابات والجمعيات والمدافعون عن حقوق الإنسان. ينبغي الإطّلاع على جراح الماضي حيث مثّلت وزارة الداخلية والسلطة القضائية في الواقع دعامتين للنظام الاستبدادي. لم يخترع بن علي شيئا، فلقد ورث الأجهزة القضائية والقمعية التي شكّلها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. وكانت السلطة القضائية تحت إمرته وساهمت وزارة الداخلية بسياسة التجسّس العام.
وهكذا تأخّر تشكيل عدالة انتقالية حقيقية. وبدأ القضاء بالكاد الإصلاح. إنّه يفتقر إلى الإمكانيات الفنية والمادية ليواجه تحدّيات المرحلة. يبدو أنّ النظام غير منظّم مع عدم وجود مركزية فعّالة: فهناك لجان مستقلّة لمكافحة الفساد والتجاوزات، وزارة لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، العدالة المدنية والقضاء العسكري، والمبادرات المتناثرة في المجتمع المدني. تفتقد كلّها على نحو قاس لرؤية مشتركة وموحّدة لعدالة انتقالية قادرة على إرجاع حقوق الضحايا وفي نفس الوقت تجاوز ضغائن الماضي. كما يمكن لاستياء ضحايا القمع مترادفا مع انكماش الحالة الاقتصادية في المناطق التي ينحدرون غالبا منها أن يعزّز شعورهم بالتهميش، يدعم حقدهم تجاه الدولة المركزية ويعيق عودة الاستقرار والأمن الذين يعتبران أساسيّين لتجذّر المكاسب الديمقراطية.
بمعنى من المعاني، فإنّ الجزء الأصعب قد أنجز. فخلافا لتجارب الدول العربية الأخرى أو في كل الأحوال أسرع منهم، كانت تونس قادرة على الاتفاق على قواعد معيّنة للديمقراطية. ولكننا لا نستطيع التخلّص من الماضي بهذه السهولة، والانقسامات بين المناطق المركزية والطرفية، بين القوى الإسلامية والعالمانية، بين قوّات الأمن والمجتمع المدني، وبين ورثة النظام القديم والمدافعين عن النظام الجديد، لا تزال غالبة. فالعمل على التوفيق من خلال الحوار وإيجاد تسوية لما يمثّل الآن مصدر الخلاف، تلك هي مهمّة الحكومة الجديدة وخلفها.

التوصيات:
إلى الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي:
  • تضمين مبدأ استقلال ونزاهة القضاء في الدستور المقبل وإدراج ميثاق لحقوق الإنسان والحريات المدنية في ديباجته.
  • إدراج فصل في الدستور حول الحوكمة الرشيدة لقوّات الأمن الداخلي، بما في ذلك احترام هذه القوّات لمختلف الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان.
  •  تحويل اللجنة الوطنية للتحقيق في التجاوزات والانتهاكات، واللجنة الوطنية للتحقيق في الفساد والاختلاس إلى هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية والتأكد من أنّ مختلف طلبات هذه الهيئة إلى الوزارات بشأن تحقيقاتها تخضع لمتابعة فعّالة.
  • ضمان متابعة مستمرّة لطلبات التعويض من طرف أسر الذين قتلوا أو جرحوا خلال انتفاضة ديسمبر 2010 وجانفي 2011، والعمل على إيجاد آليات لتعويض ضحايا قمع انتفاضة الحوض المنجمي في قفصة سنة 2008 وأسرهم.
إلى وزارة الداخلية، نقابات قوّات الأمن الداخلي ومنظّمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان:
  • العمل على إنشاء لجنة مشتركة لإصلاح قوات الأمن الداخلي، والتي تشمل ضمان تحقيق ما يلي:
  1. تكوين مستمرّ في ميدان حقوق الإنسان لأعوان وضباط قوات الأمن الداخلي،
  2. الشفافية في مختلف التعيينات والنقل داخل وزارة الداخلية، و
  3. متابعة التحقيقات الداخلية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها أعوان ومسؤولي بالقوّات الأمن الداخلي في الماضي.
إلى الأحزاب السياسية والجماعات المحلية والنقابات والحكومة:
  • التأكد من احترام الحق في التظاهر والتجمّع وتنسيق التنظيم منذ البداية عبر مراسلات متواصلة بين قوّات الشرطة والمنظّمين بغرض ضمان الطابع السلمي للمظاهرات وتفادي التجاوزات من طرف أو آخر.
إلى الحكومة، وزارة العدل والمجلس الوطني التأسيسي:
  • إنشاء في إطار المعهد العالي للقضاء برامج خاصة بمكافحة الفساد، احترام حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الرئيسية ذات العلاقة.
  • التعزيز المستمرّ لميزانية السلطة القضائية.
  • المضي قدما في التحويل التدريجي للهيئة المؤقّتة الممثلة للقضاء لمجلس أعلى للقضاء مع ضمان مستقبلا:
  1. انتخاب جزء من أعضائه من طرف القضاة، و
  2. احترام مبدأ الأمن الوظيفي.
إلى المجتمع الدولي وخصوصا برنامج الأمم المتحدة للتنمية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة والدول التي قامت مؤخرا بانتقال ديمقراطي:
  • دعم وتعزيز الشراكات القائمة، تطهير وتحسين النظام القضائي والمشاركة في تدريب القضاة في مجال مكافحة الفساد.
  • وضع برامج للتبادل والتدريب مع تونس لإصلاح الأجهزة الأمنية والتكوين في مجال حقوق الإنسان لأعوان وضبّاط الشرطة. 
تونس / بروكسال، في 9 ماي 2012
ترجمة مدونة مواطن محبط جداااا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق