الاثنين، 4 يونيو 2012

العرب فقط يعرفون كيف يصنعون طواغيتهم!

يحضرني قول للشاعر منصف المزغني: "دخل خروف إلى البرلمان وقال مَاعْ فجاء الصدى إجماع".. لكن يبدو أنّ الرجل خشي نقمة الحاكم فجعل الصورة بلا مسمّى. فلو كان أكثر شجاعة لقال ربما إنه خروف عربيّ وُلد بالقيروان ونُحر في سجن برج الرومي ليستمتع به الخليفة في حفلة شواء! كنت دوما أعتقد أن التجمّعيين إنما يساندون بن علي لطمع وجشع أو خوف ورهبة. ذهب بن علي فاعتقدت أنّ جدار الخوف الذي سقط بأنهار الدماء والدموع لن يسمح أبدا لأيّ طاغية بأن يتمتّع بخنوع شعبه وتزلّفه. لكنني أخطىء التقدير مرّة أخرى وهذا ما يحبطني! زرت دولا غربية عديدة وعشت في بعضها سنوات ولم أسمع يوما عن مظاهرة تأييد للحكومة. لمّا رأيت المدعو الحبيب اللوز يقود قطيعا من الرعاع في مدينة صفاقس رافعين لافتات التأييد علمت أنّ الطغاة صناعة عربية فائقة وأنّ الخنوع تجارة إسلاموية رائجة. لو كان المدعو الحبيب اللوز الذي يستقبل ويعامل في المطار بشكل مختلف عن بقيّة مواطنيه، في دولة ديمقراطية لشنّت الصحافة حملة شعواء عليه ولوصلته آلاف الرسائل والمكالمات تطالبه بالاستقالة من البرلمان، ولرأيناه منكسرا ذليلا يعتذر ويطلب الصفح في مؤتمر صحفي بعد أن استقال من الحياة السياسية بقية حياته! لكن حظّه الجيد وضعه في دولة خرجت من استبداد خانق وبصدد صناعة نسخة مطوّرة منه. لذلك سيهنأ دوما بوجود الآلاف من الرعايا الذين يعشقون حذاء الحاكم ولا يطيقون رفعه من فوق رقابهم. فالعبودية لدى هؤلاء ديانة.
لا تؤلمني رؤية تلك الآلاف المؤلفة تخرج في موجة هادرة دفاعا عن "الشرعية والحكومة المنتخبة" (وهات من هاك اللاوي) وكأنّ هذه الأخيرة قد تعرّضت لانقلاب عسكري أو غزو خارجي، ولا يقضّ مضجعي موقف تلك الميليشيات الالكترونية التي انبرت تسبّ إعلام العار الذي قام ب"التعتيم" على المسيرة الضخمة المؤيدة للحكومة التي لا يأتيها الخطأ من بين أيديها ولا من خلفها، فقد أعتبر كل ذلك جزءا من حرية التعبير، وإنّما أشعر بالمرارة لأنّ كل هؤلاء القوم لم يخرجوا بذلك العدد والنشاط مثلا للدفاع عن حقوق الجرحى وعوائل الشهداء الذين شبعوا حدّ الثمالة من إهانات ولكمات وركلات بوليس العريّض، أو هم شعروا بخطورة ما يتعرّض له أصحاب الحق في مهزلة المحاكمات العسكرية لمن أراقوا دماء شباب تونس خلال الانتفاضة...
شعبي يا سادة يعشق الاهتمام بالأشياء التافهة وقلّما انتبه إلى الأمور الهامة... هو تحت الطلب باستمرار، يقف دوما مع المنتصر فبالأمس يُخلي الشوارع ويفرض عليها حضر جولان غير معلن ليشاهد مسلسلات مكتوب 1 و2 وكاستينغ، ويدفع الكثير من المال ليشارك في مسابقة المليار في برامج الرهان مثل "آخر قرار"، ويقف في طابور طويل كل سبت لاشتراء ما لذّ وطاب من شراب الشعير وعصير العنب المعتّق. أما اليوم فهو يطيل اللحى ويضرب الجبهة بالأرض بلا ورع كي يحفر على جبينه طابع الصلاة ويهجم على الحانات والمواخير تحت رقابة البوليس. شعبي أيها السادة لو حكمه لينين لجعل من الشيوعية دينه ولأضحى حمّة الهمامي بطلا قوميا! فهو ككل شعب عربي أصيل يشرب العبودية بذوق في قهوة كل صباح ويعشق الخنوع حتى أصبح كعبّاد العجل يصنع طواغيته بيديه!
أما عن المدعو الحبيب اللوز فهو كتاجر دين محترف (عندو ثلاثين سنة في دومان الإسلام!) يعلم أنّ أساس الخنوع هو الدغمائيات. تماما كالقوميين الذين يجعلون من الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة أساس الديكتاتورية والشيوعيين الذين يصنعون من حربهم على الرأسمالية أساس الطغيان! ولعلّ ذلك الرجل الإفريقي المجهول صدق لمّا أسرّ لكتب التاريخ حول مراحل الاستعمار الأولى فقال: "جاءنا من مملكة بلجيكا قساوسة يدعوننا للمسيحية فأخذوا أراضينا وقالوا لنا إنّ الفقراء يدخلون الجنة".
أما عن الحرية والديمقراطية (والريق البارد) فهي منتوجات غربية كافرة لا تصلح لأحسن أمّة أخرجت للناس! ثم هل شيخنا الجليل الذي لا يترفّع على الدوس على رقاب المسلمين في المطار ولا يقف في الطابور كبقية البشر أفضل من نوّاب معارضة (الهانة ورقود الجبانة) الذين خرجوا يقودون مسيرة غير قانوية في خرق واضح لقوانين هم أنفسهم مكلّفون بحمايتها! أخال بن علي عندما شاهدهم قد ضحك حتى أُغمي عليه!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق